Top Ad unit 728 × 90

آخر الأخبار

recent

التغير الكبير في حياتي

في ثاني سنوات دراستي الجامعية، تعرفت على صديقة تعمل معلمة للتجويد في أحد دور القرآن، وكان لها الفضل بعد الله تعالى في لفت انتباهي لأهمية حفظ القرآن، وساعدتني أثناء تلك الفترة على مراجعة شيئاً مما حفظته أيام المدرسة، ومع إقبال الإجازة الصيفية تعاهدنا أن نجتهد في حفظ ما تيسر من القرآن..


كيف أحفظ؟ كيف أحفظ؟
سؤال كنت أتمنى أن تكون الإجابة عليه هي الانضمام لدار تحفيظ القرآن، والحمد لله تيسر لي التسجيل في دار تحفيظ ملحقة بأحد المساجد، هناك أخبرت أستاذتي بمقدار ما أحفظه، وسألتها بأي سورة أفتتح حفظي لكتاب الله، فقالت: بما أنك لم تحفظي سورة البقرة بعد، فأنصحك أن تبدئي بها الآن.
ماذا؟ سورة البقرة؟ هل سأحفظ جزئان وربع خلال الإجازة!!!! أستاذتي أنا لست ماهرة في الحفظ، وطموحي كان جزء واحد خلال الإجازة، لا أكثر!
فقالت: غداً بإذن الله أسمع لك الصفحة الأولى من سورة البقرة، وتركتني وهي تخفي ابتسامتها.
حسناً، يبدو أنه لا خيار أمامي سوى البدء في الحفظ.
وهكذا وضعتني أستاذتي في بداية الطريق في رحلة حفظ سورة البقرة. مرت الأيام سريعة، وأنا أحفظ يومياً وجهاً واحداً من سورة البقرة، ثم أسمّعه لأستاذتي، وبعدها طلبتُ أن يزيد النصاب اليومي إلى ربع حزب لأتمكن من تحقيق هدفي، فسورة البقرة باتت حلماً أتمنى أن أراه حقيقة قبل انتهاء الإجازة..
من المواقف التي لا أنساها، موقف مررت به عندما أردت أن أبدأ بحفظ نصاب اليوم والذي يبدأ بقوله تعالى : [ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ]، حينها قلّبت ما تبقى من صفحات في سورة البقرة، وكان في داخلي شعور يقول: لن تنجحي، لن تحفظيها، أنظري كم تبقى لك، لم تكوني في أحد الأيام من أهل الحفظ، لماذا أقدمت على هذه الخطوة! لتثبتي لنفسك أنك فاشلة، أليس كذلك؟
كان هذا الشعور كصفعة شلّت قدرتي على الحفظ، غير أن نظرة  إلى الساعة ذكرتني بأن موعد الذهاب للدار قد اقترب ، ولابد من التوقف عن إضاعة الوقت.
إضاعة الوقت بالتفكير السلبي، كانت هذه أعظم عقبة تواجهني، لكن الحسم السريع لها، كان هو الحل الفعّال، خصوصاً أن واقعي الجديد يكذّب تلك الوساوس!
وأتي اليوم الموعود، كان يوم الثلاثاء، كنت أمشي في غرفتي وأنا أحفظ الوجه الأخير من سورة البقرة، كان قلبي يخفق بشدة، بقيت آية، آية واحدة فقط، أشرت لأخواتي اللاتي كن يجلسن في الغرفة أن انتظروا، وهم لا يفهمون ما كنت أقصده، وبمجرد أن راجعت الوجه الأخير، ابتسمت – والتبسم لم يكن يكفيني – قائلة: حفظت سورة البقرة، حفظتها..
لم أتمالك نفسي، بكيت، سجدت شكراً، حمدت ربي كثيراً، تذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمّر غلاماً على قومه لحفظه لسورة البقرة، أنا الآن مثله، أحمل في صدري أطول سورة في القرآن، الآن تأكدت أني قادرة على حفظ القرآن كله، نعم كله..
انتهت الإجازة، وودعت دار التحفيظ، وعاد العبء ليقع على عاتقي وحدي، لكني الآن بت أكثر صلابة وعزيمة، وجاء العون من ربي لأحفظ ١٠ أجزاء خلال عام واحد، فله الحمد كله.
لشدة فرحي بما حفظت من كتاب الله، أصبحت أحث صديقاتي على مشاركتي، وكونت جمعية صغيرة في الجامعة لحفظ القرآن، مكونة من ٢٠ طالبة، وكان المطلوب ممن تريد الانضمام لها، أن تحدد مقدار ما تود حفظه، والموعد المناسب لها، وأنا آتي إليها لتسمّع وأشجعها على الاستمرار. كانت فعلاً فترة ممتعة، فبمجرد أن أنهي محاضراتي، أراجع جدول عضوات الجمعية، وأنطلق من واحدة للأخرى فأسمّع لها، وكانت النتائج تحكي عن نفسها في أعينهن وإنجازهن..
لاحظت أنني تغيرتُ كثيراً. فتصرفاتي أصبحت أرقى، انتقائي للكلمات بات أكثر عناية، مستواي الدراسي قفز قفزة مفاجئة للأعلى، أصبح للحياة معنى آخر، أكثر صفاءً وجمالاً ومتعة..
واصلت حفظي، والذي كان في معظمه في المنزل، إذ كنت أضع لنفسي خطة، ألتزم بها قليلاً، ثم أتوقف، وهذا أحد عيوبي التي أعترف بها، وأدعو أن يعينني ربي على التخلص منها.
كنت أحفظ متى تيسر لي، ومتى شعرت بالشوق لكتاب ربي، ومتى شعرت بهم يحاصرني، إذ أن القرآن أصبح رفيقي الذي ألجأ إليه في فرحي وحزني..
كنت متى شعرت بضيق في وقتي، وتراكم في أعمالي ألجآ مباشرة لحفظ سورة، لأني أدرك أن عدم قدرتي على العمل مصدرها معصية، فألجأ للقرآن لأطهر قلبي ولساني مما قد علق بهما من معاصي..
وهكذا مضت ثلاث سنوات أنهيت بعدها حفظ كتاب الله، ومن ثم بدأت بمراجعته، وأسأل الله تعالى أن يعينني وكل حافظ لكتابه أن نكون ممن يقيم حروفه وحدوده..
وحباً للخير لكم كما أحببته لنفسي، أدعو كل قارئ وقارئة لأن يبدأ مشروعه الخاص مع القرآن، فهو مشروع رابح رابح. الحياة مليئة بالمشاغل، فلنحرص أن لا يجرفنا طوفان مشاغلها فننسى غذاء أرواحنا.
ولعلي أختم بموقف أخير، ففي أحد الأيام كنت أدرس مع إحدى زميلاتي في الجامعة، فأخبرتني أنها كانت ستتعرض لحادث، وأنها خافت من الموت لأنها كانت تستمع للأغاني تلك اللحظة، قلت لها: لدي فكرة، ما رأيك أن تحفظي سورة يس، فرفضت متعللة بالحجة الأزلية ” أنا لا أجيد الحفظ ” قلت لها أربع آيات، فقط أربع آيات أسمّعها لك كل أسبوع، أي الأسبوع القادم أسمع لك: [ يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم ] فقط.. صعبة؟
ضحكت وهي تبدي موافقتها. وفي الأسبوع القادم، سألتها عن أخبار اتفاقنا، فسمّعت لي الأربع آيات، وفي الأسبوع التالي سألتها فسمّعت، وفي الأسبوع الثالث كان لدينا اختبار، وفاجأتني عندما أتت تسألني عن اتفاقنا!
وبنهاية الفصل الدراسي، كانت قد أنهت حفظ سورة يس، لتسطر معها نهاية الوساوس التي منعتها وتمنع أي إنسان من بدء مشروعه الخاص مع القرآن الكريم..
بعد فترة اتصلت لتخبرني أنها حفظت سورة الدخان، ومن ثم علمتُ أنها أصبحت عضواً فعالاً في الندوة العالمية للشباب الإسلامي في جدة. أرأيتم القرآن كيف أنه بداية كل خير في حياة الإنسان..
هيا.. ابدؤا، لا تتأخروا، فأنتم تستحقون الحياة الجميلة التي يغمر بها القرآن حافظه..
التغير الكبير في حياتي مراجعة الكنوز الدعوية يوم 5:44 ص التقييم: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.